زواج القاصرات
لقاء تلفزيوني حول تحديد سن الزواج و زواج القاصرات
و ما حوله من اشكاليات و مشكلات المجتمع المصري مع الدكتور / محمد الفقي الماذون الشرعي و الباحث الشرعي و القانوني و المتخصص في قوانين الاسرة و الاستاذ الدكتور / عبد الواراث عثمان استاذ الفقة بكلية الشريعة بجامعة الازهر مع الاعلامي علي مدين والمعد المتميز الأستاذ محمد النجار قناة الفتح .
زواج القاصرات: مأساة اجتماعية وأزمة قانونية في مصر
زواج القاصرات هو إحدى الظواهر المجتمعية التي تُثير الكثير من الجدل في مصر. على الرغم من الجهود القانونية والحقوقية المبذولة لمواجهتها، إلا أن هذه الممارسة لا تزال منتشرة، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية. يُعرّف زواج القاصرات بأنه تزويج الفتيات قبل بلوغهن السن القانونية المحددة للزواج، والتي هي 18 عامًا وفقًا للقانون المصري. وتؤدي هذه الظاهرة إلى تداعيات نفسية، اجتماعية، وصحية وخيمة على الفتيات، مما يجعلها قضية إنسانية تتطلب حلولًا شاملة.
قصص واقعية تعكس معاناة القاصرات
وراء كل حالة من حالات زواج القاصرات توجد قصة مأساوية تستحق التوقف عندها. على سبيل المثال، "صباح" فتاة من إحدى القرى الريفية، تزوجت وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها بعقد عرفي غير موثق. بعد عامين من الزواج، توفي زوجها في حادث سير، لتجد نفسها وحيدة ومعها طفل لم تتمكن من تسجيله رسميًا بسبب عدم توثيق الزواج. هذه الفتاة واجهت تحديات كبيرة في الحصول على حقوقها وحقوق طفلها، مع رفض عائلة الزوج الاعتراف بالزواج أو نسب الطفل.
قصة أخرى هي "سمر"، التي تزوجت قسرًا في سن السادسة عشرة من رجل يكبرها بعشرين عامًا. تعرضت للعنف الجسدي والنفسي بسبب إدمان زوجها على المخدرات. بعد عام واحد من الزواج، تدخلت عائلتها لإنهاء العلاقة، ولكنها خرجت من هذه التجربة مُحطمة نفسيًا وتعليميًا.
أسباب انتشار زواج القاصرات
رغم أن القوانين المصرية تُجرم زواج القاصرات، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال شائعة لأسباب متعددة، منها:
الفقر: غالبًا ما ترى الأسر الفقيرة في تزويج بناتها فرصة لتخفيف العبء المادي عن كاهلها. تزويج الفتاة يعني تقليل عدد الأفواه المُعالة داخل الأسرة، وأحيانًا يُنظر إليه كوسيلة لتحسين الوضع الاقتصادي.
العادات والتقاليد: في بعض المناطق الريفية، يُعتبر زواج القاصرات أمرًا طبيعيًا ومقبولًا اجتماعيًا. تتوارث الأجيال هذه العادة، ويصعب كسرها دون تدخلات جذرية.
نقص التعليم: كثير من الفتيات اللاتي يتعرضن للزواج المبكر يتركن التعليم في سن صغيرة، مما يجعلهن أكثر عرضة للرضوخ لهذه القرارات. غياب الوعي بأهمية التعليم يزيد من انتشار الظاهرة.
الثغرات القانونية: رغم القوانين التي تمنع توثيق عقود الزواج لمن هم دون 18 عامًا، إلا أن الزواج العرفي يُستخدم كوسيلة للالتفاف على القانون. يتم تأجيل التوثيق حتى بلوغ الفتاة السن القانونية، مما يؤدي إلى مشكلات قانونية لاحقة.
الآثار السلبية لزواج القاصرات
الأثر الصحي: الزواج المبكر يعرض الفتيات لمخاطر صحية كبيرة، خاصة في حالات الحمل والولادة. تكون أجسادهن غير مهيأة لتحمل الأعباء الجسدية، مما يزيد من احتمالات الوفاة أثناء الولادة أو الإصابة بمضاعفات خطيرة.
الأثر النفسي: تعاني الفتيات من صدمات نفسية بسبب الضغوط الكبيرة التي تواجههن في سن صغيرة. تُجبر الفتاة على تحمل مسؤوليات زوجية وأسرية قبل أن تنضج عاطفيًا أو نفسيًا، مما يؤدي إلى مشاكل مثل الاكتئاب والقلق.
الأثر الاجتماعي: يُحرم زواج القاصرات الفتيات من استكمال تعليمهن، مما يحد من فرصهن المستقبلية. كما يؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق والعنف الأسري.
الأثر القانوني: عندما يتم الزواج بشكل غير رسمي (عرفي)، تواجه الفتيات مشكلات في توثيق الزواج ونسب الأطفال، مما يتركهن في حالة من عدم الأمان القانوني.
القوانين والتشريعات المتعلقة بزواج القاصرات
في مصر، يمنع قانون الأحوال الشخصية توثيق عقود الزواج لمن هم دون 18 عامًا. وتنص المادة 227 من قانون العقوبات على معاقبة كل من يشارك في تزويج قاصر بالسجن أو الغرامة. رغم ذلك، لا تزال هذه القوانين غير مفعلة بالشكل الكافي، بسبب عدم الإبلاغ عن حالات الزواج العرفي أو التواطؤ بين بعض الأطراف.
الجهود الحكومية لمكافحة زواج القاصرات
عملت الحكومة المصرية على إطلاق العديد من المبادرات لمواجهة زواج القاصرات، منها:
حملات التوعية: أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملات مثل "جوازها قبل 18 يضيع حقوقها"، بهدف توعية الأسر بمخاطر الزواج المبكر.
التعديلات القانونية: اقترح البرلمان المصري تعديلات لزيادة العقوبات المفروضة على من يثبت تورطهم في زواج القاصرات، بما يشمل السجن لفترات أطول وغرامات مالية تصل إلى 100 ألف جنيه.
دعم الفتيات: تم إطلاق برامج لدعم تعليم الفتيات، خصوصًا في المناطق الريفية، لضمان استمرارية تعليمهن وتمكينهن من اتخاذ قرارات مستقبلية أفضل.
دور المجتمع المدني
لعبت منظمات المجتمع المدني دورًا محوريًا في مكافحة زواج القاصرات من خلال:
تنظيم ورش عمل توعوية للأسر في المناطق الريفية.
توفير دعم قانوني للفتيات المتضررات.
إطلاق مبادرات تهدف إلى تمكين المرأة وتعزيز دورها في المجتمع.
إحصائيات حول زواج القاصرات في مصر
تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نسبة كبيرة من الفتيات في الريف يتم تزويجهن قبل بلوغ السن القانونية. وقد أظهرت الإحصاءات أن الزواج المبكر يؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق، إضافة إلى تأثيره السلبي على الصحة الإنجابية والتعليم.
التوصيات لمكافحة زواج القاصرات
لمواجهة هذه الظاهرة، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الحازمة:
تغليظ العقوبات: يجب فرض عقوبات رادعة على أولياء الأمور والمأذونين الذين يشاركون في تزويج القاصرات.
زيادة الوعي: تنظيم حملات توعية تستهدف المناطق الريفية لتوضيح مخاطر زواج القاصرات.
تحسين الوصول إلى التعليم: تعزيز فرص التعليم للفتيات، خاصة في المناطق الأكثر فقرًا، لتقليل معدلات التسرب المدرسي والزواج المبكر.
تفعيل دور الإعلام: يمكن للإعلام أن يلعب دورًا رئيسيًا في تغيير النظرة المجتمعية للزواج المبكر، من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح للفتيات اللاتي استكملن تعليمهن وتأخرن في الزواج.
تفعيل القوانين: يجب تعزيز الرقابة على تطبيق القوانين المتعلقة بمنع زواج القاصرات، وضمان محاسبة المخالفين.
الخاتمة
زواج القاصرات ليس مجرد انتهاك للقانون، بل هو انتهاك لحقوق الإنسان وكرامة الفتيات. يتطلب القضاء على هذه الظاهرة تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والإعلامية. لا بد من ضمان مستقبل مشرق لكل فتاة في مصر، حيث تتمكن من استكمال تعليمها وتحقيق أحلامها بعيدًا عن القيود التي يفرضها الزواج المبكر.
ارسل سؤالك هنا ((اسأل المأذون الشرعي ))
لسرعة الرد اضغط وتساب
اسال المأذون